قبل فترة قريت مقال على موقع فايننشال تايمز FT.com (المقال) بعنوان: “نقل الثروة الكبيرة”
“The great wealth transfer” شدني العنوان، وسويّت له مفضلة عشان أرجع أقرأه بهدوء وأفهم أكثر عن هذا التحول الاقتصادي اللي بدأ فعليًا، مو بس كأرقام، بل كواقع نعيشه وبعد قراءتي له، حبيت أكتب عنه بالعربي لأن الموضوع يهمنا حتى هنا في منطقتنا.
المقال يبدأ بوصف مألوف للكثير من العائلات: تجمع عائلي مليء بالذكريات، كبار السن يتحدثون عن “الأيام الجميلة”، في حين ينشغل أبناء جيل الألفية بمستقبلهم القلق وغير المستقر ومن هنا، ينتقل المقال إلى تسليط الضوء على جيل الطفرة السكانية أو الجيل السابق (مثل الآباء أو الأجداد) ، وهو اللي عاش مرحلة ازدهار اقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، تمكنوا فيها من بناء ثروات كبيرة أما الأجيال الشابة اليوم، فقد عانت من أزمات متلاحقة، بداية من أزمة 2008 إلى جائحة كوفيد-19، ومرورًا بتهديدات التغير المناخي، وارتفاع تكاليف المعيشة، وانخفاض معدلات التملك.
ويقول المقال أنه ربما في المستقبل بتكون هدايا عيد الميلاد أو الجمعات العائلية بتأخذ شكل مختلف تمامًا: فمثلاً بدل ماتكون الهدايا تقليدية عطور أو جوالات، راح يبدأ كبار السن (الملاك) – خاصة اللي عندهم ثروات كبيرة – في إنهم يعطون أبنائهم أو أحفادهم جزء من أصولهم المالية أو العقارية يستغل فيها قوانين الإعفاءات الضريبية أو لتنظيم التركة من الآن وهذي “الهدايا” راح تكون من نوع آخر مثل أسهم، عقارات، أو حتى حسابات استثمارية وهذا الشيء بيخلي الكلام في الجمعات العائلية أكثر جدية وربما توترًا، لأن توزيع الثروة أصبح حقيقياً ومرتبطاً بلحظة اجتماعية حساسة في مثل هذي الإجتماعات أو الأعياد.
رغم أن الحياة كانت أسهل اقتصاديًا للآباء والأجداد، إلا أنهم تعبوا وبنوا ثرواتهم مع الوقت واليوم، هذا الجهد اللي بذلوه راح يكون له فائدة كبيرة لأبنائهم وأحفادهم، لأنهم غالبًا راح يرثون جزء من هذي الثروات وهذا الميراث ممكن يكون فرصة حقيقية تساعد الجيل الجديد يبدأ حياته بشكل أفضل أو يحل مشاكله المالية.
وفقًا لشركة Cerulli Associates المتخصصة في إدارة الثروات، تقول أنه راح يتم نقل أكثر من 100 تريليون دولار من الأصول – تشمل عقارات، مصانع ونبيذ قديم، وأعمال فنية – من الجيل السابق (مثل الآباء أو الأجداد) إلى ورثتهم في الولايات المتحدة وحدها خلال الـ 25 سنة القادمة! أما شركة Vanguard (واحدة من أكبر شركات إدارة الصناديق الاستثمارية في العالم) فتتوقع أنه يتم تمرير أكثر من 18 تريليون دولار عالميًا بحلول عام 2030 وراح يكون هذا أكبر انتقال بين الأجيال للثروات في التاريخ!.

هل هذا الورث او نقل الثروث للجميع؟ لا, ذكر المقال أن أغنى 10% من الأسر الأمريكية هم اللي راح يملكون النصيب الأكبر من هذا الانتقال الكبير للثروة وفي بريطانيا، أظهرت الدراسات أن الأغنياء أكثر من غيرهم بمرتين احتمالًا لنقل ثرواتهم إلى الجيل الجديد يعني باختصار، عدم المساواة بين الطبقات قد ينتقل بدوره من جيل إلى آخر، ويتعزز أكثر إذا استمر الاقتصاد في النمو البطيء.
وين بتروح الثروة هذي مع الجيل الجديد؟ أيضاً يشير المقال إلى أن فيه جزء كبير من هذه الثروات قد تستخدم في أمور عملية، مثل:سداد الرهون العقارية وتغطية تكاليف الدراسة الجامعية للأحفاد أو حتى تمويل التقاعد المبكر في أماكن أكثر راحة وهذا الاستخدام قد يكون مفيدًا للشباب اللي عندهم ديون كبيرة، خاصةً من أبناء الجيل الجديد، هذا الورث أيضاً قد يساهم في إنتعاش بعض الاقتصادات السياحية اللي تستفيد من موجات التقاعد المبكر لكن في المقابل، مثل هذا التوجه يمكن يُضعف التوقعات المتفائلة بحدوث طفرة إنفاق استهلاكي كبيرة قائمة على الميراث، لأن المال يُصرف على التزامات لا على استهلاك جديد وفي كل الأحوال، الحكومات التي تعاني من ضغوط مالية ومديونيات متراكمة ماراح توقف وتناظر هذه الأرقام الضخمة من الثروات اللي تنتقل بين الأجيال، ومتوقع أنها تحاول تفرض ضرائب على التركات والهبات، لكن بطريقة مدروسة وحذرة عشان لا تثير جدل سياسي أو اقتصادي.
هل الجيل الجديد مستعد لهذي الثروة الكبيرة؟ شرح المقال أن المستثمرون من جيل الألفية والجيل زد (الجيل الجديد) أقل ثقة في الأصول التقليدية مثل الأسهم والسندات وفي تقرير استطلاع لبنك Bank of America أن الجيل الجديد يخصص ثلاثة أضعاف من محافظهم الاستثمارية نحو استثمارات بديلة مثل: الأسهم الخاصة والشركات الناشئة والعملات الرقمية وأن الجيل الجديد يميل أكثر لتمويل المشاريع ذات البعد الأخلاقي والاجتماعي ورغم أن هذا قد يضيف تقلبًا للمحافظ المستقبلية، إلا أنه قد يخدم القضايا البيئية والاجتماعية، ويوسّع من انتشار التمويل عالميًا.
لكن الورث يمكن يضيع بسبب الخلافات الأسرية! يذكر المقال أن فيه دراسة أمريكية استمرت 20 عامًا تقول أن 70% من العائلات الثرية تفقد ثروتها بحلول الجيل الثاني، و90% بحلول الجيل الثالث وتتعقد الأمور بسبب نزاعات عائلية أو دعاوى قضائية وفوقها أن المستفيدين الصغار من الورثه يمكن يلعبون بالورث على استثمارات غريبة أو “أسهم الميم” المنتشرة عشان كذا، التخطيط للورثه والتعليم المالي راح تصير مهمة جداً مستقبلاً فمثلاً في بريطانيا، فقط 40% من الشباب عندهم وعي مالي بحسب استطلاع عام 2023 وعشان كذا ممكن يصير بعض الورثة من الجيل الجديد عنده حرص أكثر في كيفية استخدام الورث أو المال.
شخصيًا، أشوف أن هذا المقال يعكس تحول قادم مايخص فقط الدول الغربية، ولكن أعتقد أننا بنشوف تأثيره في مناطق مثل الخليج العربي اللي تتسارع وتيرة انتقال الثروات فيه وبنفس الوقت مع طموحات الشباب واستعداداتهم لتولي دفة القيادة المالية أو إدارة شركاتهم العائلية وأعتقد أنه من المهم أننا نستعد لهذا التغيير ماهو بس بالقوانين، بل بالثقافة المالية، والوعي الاستثماري، وتخطيط الإرث.
نراكم في مقال أخر