من فترة وانا أشوف كثير مشاريع بسيطة وبدون تكاليف عالية تنجح بسرعة وتحقق أرباح رغم انها خدمة وحدة بس! وبدون تعقيدات وخدمات عملاء…الخ، من تجربة من الشباب اللي حولي كثير منهم يتوقعون ويخافون يطلقون مشروعهم وفكرتهم أن نجاح اي مشروع لازم يبدأ بفكرة ضخمة وخطة كاملة ودراسات واستشارات! لكن اتوقع اليوم هذا الشيء تغير وصار العميل أو المستهلك يبي خدمة سريعة وواضحة تعطيه طلبه وتخدمه بدون تعقيد.
خذ مثلًا قصة تويتر X حالياً، اللي بدت كفكرة بسيطة جدًا ضمن شركة صغيرة اسمها Odeo! في عام 2006 كانت Odeo تشتغل على مشروع بودكاست لكن المشروع فشل وانهار بعد مادخلت شركة أبل بقوة في نفس المجال ووقتها اجتمع فريق الشركة يبحث عن فكرة جديدة تنقذهم! واحد من الموظفين اقترح فكرة غريبة شوي في هذك الوقت الموظف هذا أسمه “جاك دورسي” وقال “وش رايكم نطلق موقع تكتب فيه وش تسوي الآن برسالة قصيرة”! طبعاً هذاك الوقت ما كانت الفكرة واضحة ولا حتى أقنعت الفريق، لكنها كانت سهلة للتجربة فبنوا نموذج أولي بسيط جدًا فقط مجرد أداة ترسل رسالة نصية من 140 حرف وبدون صور وبدون إعجابات وبدون اي رد او مشاركات ولا حتى موقع او تطبيق جوال كان فيه فقط رسائل قصيرة توصل عبر SMS وهذا النموذج البسيط كان هو الـ MVP (منتج بسيط قابل للتسويق) اللي نقدر نقول أنه حقيقي لتويتر صح أنه محدود لكن واضح, طبعاً أول من استخدمه هم موظفين الشركة نفسهم وفعليًا أدمنوه ومع الوقت بدو يستخدمونه في تواصلهم داخل الفريق، بعدها في المؤتمرات والأحداث وفجأة بدأ ينتشر خارج الشركة وخلال أشهر زاد عدد المستخدمين بشكل ماتوقعوه وقررت الشركة انها تقفل مشروع البودكاست نهائيًا وتركز بشكل كامل على تويتر! طيب واليوم؟ تويتر أو X يعتبر وأحد من أكبر منصات التواصل في العالم وكل هذا بدأ من فكرة بسيطة تم اختبارها بسرعة وبدون تعقيد، وبدون ماينتظرون انها تصير كاملة عشان يطلقونها.

اللي نستفيده من هذي التجربة أن الفكرة البسيطة دائماً تكون أهدافها واضحة وتركز على شيء أساسي وتخدم جمهور محدد وبدون مخاطر وتكاليف عالية وفوقها تقدر تنفذها بشكل سريع وتقدر تجمع الملاحظات من المستخدمين بسرعة وتعدل الأخطاء بشكل أسرع! لكن لو هذي الفكرة نفسها عند شركة على سبيل المثال بيكون فيه إجتماعات وتخطيط كبير لها وموافقات ودراسات ويمكن شركات إستشارية تدرس هذي الفكرة وفوقها تأخير في الوقت عشان تتنفذ أي تعديلات أو تطويرات أو حتى الشكاوي اللي لاحظها المستخدمين.
طبعاً فيه جانب إنساني عميق لازم ننتبه له اللي هو: “السلوك البشري نفسه يميل للبساطة” العقل البشري بطبيعته يبي شيء واضح مايبي شيء فيه غموض، عشان كذا كثير من الناس ينجذبون للمشاريع اللي يفهمونها بسرعة، أو يقدرون يتصورون فائدتها بشكل مباشر, اليوم لو دخلت تطبيق لتوصيل الطلبات ماتبي الزحمة اللي فيه والتعقيدات تبي خيارات التوصيل الواضحة عشان تطلب بسرعة, فيه تحيّز نفسي معروف اسمه “التحيّز التفاؤلي” (Optimism Bias)، هذا الشيء يخلي صاحب الفكرة يبالغ في توقعاته ويخطط لأشياء كثيرة دفعة وحدة، لأنه يتوقع إن كل شيء راح يمشي حسب الخطة فتحصل أنه على سبيل المثال لو يبي يطلق تطبيق توصيل طلبات يتوقع أنه لازم يتفق مع جميع المطاعم بكل انواعها وبعدها يطلق التطبيق مايبدأ باللي موجودين معه ومع الوقت يتفق مع البقية! لكن الواقع مختلف المشاريع المعقدة نادرًا ما تنجح بنفس الخيال الوردي اللي بدينا فيه ومن هنا تجي قوة المشاريع البسيطة اللي تنطلق بسرعة بدون تعقيدات.
أنا أعتقد أن بعض الأشياء المهمة مع بداية كل مشروع أو فكرة في طور التحول والتوسع أنه لازم نركز بشكل كبير على الكفاءة اللي معنا أكثر بكثير من أننا نركز على البنية التحتية للمشروع نفسه ووضوح المشروع نفسه وأنك تبدأ بشيء بسيط وتنطلق ماهو لازم أن المشروع يكون كامل 100% عشان تبدأ فيه بالعكس اذا فيه خدمة اساسية جاهزه أبدأ فيها ومع الوقت بيصير فيه تطور لبقية الخدمة اللي تقدمها ومن تجربة سابقة مع الوقت صدقني، بعد فترة بتكتشف إنك ضيّعت وقتك في تطوير أشياء ما تهم العملاء أصلاً.
وعشان ما تكون الصورة وردية لازم نتذكر أن البساطة ما تعني الإهمال أو الضعف في التخطيط لازم نفهم أن البساطة بدون جودة أو بدون فهم للسوق ماراح تنجح والفرق بين مشروع بسيط ناجح ومشروع بسيط فاشل هو وضوح الفكرة واحتياج السوق لها والتنفيذ الممتاز السريع.
هذا طبعاً مايخلينا نقول أن الشركات الكبيرة يفترض انها المفروض ما يدخلون مشاريع بسيطة بالعكس الشركات الكبيرة تقدر تتحمل الخسائر، وعندها موارد، لكن تنفيذ مشروع صغير داخل بيئة كبيرة غالبًا يكون بطيء عشان كذا نشوفها تستثمر أو تستحوذ على مشاريع بسيطة بعد ما تثبت نجاحها.
نراكم في مقال أخر