Dark Light

اليوم تصدّرت عناوين الأخبار تقارير تفيد بأن عملاق المشروبات الغازية “كوكاكولا” يدرس بيع علامته الشهيرة في قطاع القهوة “كوستا” وقبل كل شيء خلونا نرجع للبداية وبالتحديد في عام 2018، اللي فاجأت فيه “كوكاكولا” العالم بإعلانها دخول سوق القهوة عبر صفقة استحواذ ضخمة على سلسلة “كوستا كوفي” البريطانية، مقابل 3.9 مليار جنيه إسترليني (تقريباً 18.3 مليار ريال سعودي) الخطوة كانت جريئة، ووُصفت وقتها بأنها محاولة من عملاق المشروبات الغازية لتنويع نشاطه واللحاق بالتحولات العالمية في خيارات المستهلكين خصوصاً أن محبين القهوة في ذيك الفترة جالسين يكبرون بشكل أسرع كعدد مستهلكين، كوكاكولا كان هدفها أنها تتحول من شركة “مشروبات غازية” إلى شركة “مشروبات متكاملة” بحيث يكون عندها القهوة والمياه والعصائر والمشروبات الصحية، وكانت كوستا هي البوابة المثالية تقريباً خصوصاً أنها علامة تجارية قوية ومشهوره وعندها آلاف الفروع في أوروبا وآسيا وسوق قهوة يتوسع يوم بعد يوم لكن بعد مرور سنوات من الصفقة هذي الصورة بدأت تتغير.

في وقت الأستحواذ كان الكل يعتبر أن هذي الخطوة استراتيجية عشان توسيع محفظة الشركة خارج المشروبات الغازية وأن قطاع القهوة له مستقبل كبير وهو أحد أهم المشروبات أيضاً، إلا أن الواقع بعد عدة سنوات ماكان بنفس الرؤية اللي كانت الشركة تتصورها! فأولاً جاء كوفيد-19 بعد فترة قصيرة من الصفقة، وهذي أثرت بشكل مباشر على أعمال المقاهي حول العالم بما فيها فروع كوستا المنتشرة في أوروبا وآسيا وخصوصاً الإغلاقات الطويلة اللي غيرت سلوك المستهلكين وبعدها جات موجة التضخم العالمي وارتفاع تكاليف التشغيل وبالتالي أضر بشكل كبير في إيرادات كوستا من ارتفاع أسعار البن، إلى التضخم، وفوقها واجه منافسة قوية من علامات قهوة فاخرة مثل Pret a Manger وGail’s وهذا خلى إدارة شبكة فروع ضخمة مثل كوستا أقل ربحية مقارنة بالإستثمارات الأخرى الأقل كثافة من حيث التكاليف.

فرع كوستا كوفي في Great Portland Street – لندن ويعتبر من الفروع البارزة والمزدحمة جدًا

حسب البيانات المتداولة حققت كوستا إيرادات 1.22 مليار جنيه إسترليني في 2023 في تحسن أفضل عن العام السابق لكنها أقل من مستوى 2018 قبل الاستحواذ وفي نفس السنة سجلت خسارة قبل الضرائب بقيمة 9.6 مليون جنيه مقابل ربح 245.9 مليون جنيه في 2022 فقط، هذي الأرباح تعتبر الضعيفة بالنسبة لعملاق مثل كوكاكولا جعل التركيز والدعم الداخلي أضعف وشبه معدوم للسلسلة بعد الاستحواذ.

حالياً الواضح أن كوكاكولا جالسه تعيد ترتيب أولوياتها وإستراتيجياتها خصوصاً مع إرتفاع الطلب على المشروبات الصحية والجاهزة صار التركيز أكثر على القطاعات التي تحقق نمو أسرع وهوامش ربح أعلى مثل المياه الفاخرة والعصائر ومنتجات الطاقة في المقابل قطاع المقاهي المكلف اللي يتطلب إدارة تشغيلية كبيرة وبيئة تنافسية صعبة فيها وخصوصاً مع المنافسين المحليين من نفس الدول اللي فاتح فيها كوستا، أعتقد من المنطقي أن كوكاكولا تفكر في تخارج جزئي أو كلي من استثمارها في كوستا، خصوصاً إذا حصلت مشتري استراتيجي يقدر يعيد تشغيل العلامة بشكل أكثر كفاءة وربحية وحسب الأخبار أنها تعاقدت مع بنك Lazard عشان تشوف خيارات البيع مع توقعات من البنك ومن بعض المستثمرين أنها بتحصل عروض بحوالي 2 مليار جنيه إسترليني للشراء الكامل للشركة وهذا يعني نصف السعر اللي أشترت فيه كوكولا علامة كوستا تقريبًا.

وجهة نظري أن الشركات العملاقة مثل كوكاكولا عندها شيء مهم جداً وماتملكه الشركة المتوسطة أو الصغيرة وهو الصبر والقدرة المالية يعني تقدر تتحمل سنوات من الخسائر في علامة تجارية أو مشروع معيّن مو لأن المشروع ناجح لكن لأن عندهم أهداف استراتيجية أكبر زي دخول سوق معين أو تعزيز سلسلة التوريد أو حتى بس عشان ينافسون خصم قوي لكن في النهاية حتى الشركات العملاقة لازم يسوون وقفة إذا العلامة ما تقدر تثبت نفسها ولا فيه فايدة واضحة أو عائد ملموس منها تبدأ الشركات تفكر بجدية ليش نضيع جهد وتركيز على شيء مو قاعد يضيف لمحظة الشركة؟ هنا تبدأ مرحلة تنظيف المحفظة ويتخصلون من العلامات المشتتة أو الضعيفة عشان يرجعون يركزون على الأساس والعلامات القوية والأسواق المربحة والفرص الواضحة وأعتقد هذا بالضبط اللي جالسه كوكاكولا قاعدة تسويه مع “كوستا كوفي”.

أخيراً يمكن تكون كوستا أحد أبرز دروس الإستحواذ الفاشلة في التداولات العالمية.

نراكم في مقال أخر