Dark Light

طوال السنوات الماضية كانت الصين هي المحرك الأكبر واللي نقدر نقول إنها “الكيكة الكبيرة” اللي تتنافس عليها شركات البراندات الفاخرة وكل علامة تحاول تاخذ نصيبها من المستهلك الصيني اللي كانوا يصرفون عشرات المليارات من الدولارات سنويًا على الفخامة بس! تخيل في عام 2023 تصدّرت الصين أكبر حصة من إيرادات سوق البراندات الفاخرة متجاوزة حتى أمريكا وأوروبا! لكن الكيكة هذي ماطولت، كل شيء تغيّر بعد كوفيد-19 وتغيّر بشكل واضح وكبير وهذا اللي راح نتكلم عنه اليوم في هذا المقال يمكن يكون طويل شوي، لكنه إن شاء الله بيشرح الصورة كاملة وش اللي صار؟ وش الأسباب؟ وكيف ممكن يكون شكل السوق مستقبلًا؟

قبل كورونا، كان حوالي ثلثين مشتريات البراندات الفاخرة من الصينيين تصير برا الصين وغالباً خلال سفرهم لمدن مثل لندن باريس ونيويورك، السياح الصينيين كانوا حرفياً عملاء ذهبيين لهالبراندات لكن مع كوفيد وإغلاق الحدود تغيرت اللعبة وصار الإنفاق داخل السوق الصيني المحلي وصار فيه طفرة مفاجئة عند الصينيين أنهم يشترون داخل الصين خصوصًا بين 2020 و2023 ومع بداية تعافي العالم وعودة السفر، المفروض إن السوق يرجع أقوى… لكن اللي صار العكس بدأ واضح إن المستهلك الصيني ما عاد يندفع لشراء الفخامة مثل قبل وهذا الشيء خلا شركات البراندات تنخفض مبيعاتها بشكل حاد داخل الصين واللي كانت تعتبر أكبر سوق نمو لهم لسنين طويلة.

وش الأسباب؟ خلونا نقول فيه أكثر من سبب اجتمعوا مع بعض وسوّوا هالتغيّر الكبير، وأولهم كان تباطؤ الاقتصاد الصيني نفسه في أزمة سوق العقارات هناك خلت جزء كبير من ثروة الطبقة المتوسطة يختفي، وصاروا الصينيين نفسهم مترددين يصرفون خصوصًا على الأشياء اللي تُعتبر كماليات مثل البراندات الفاخرة غير كذا، فيه ارتفاع كبير في البطالة في الصين خصوصاً الجيل اللي انولد بعد 1990م واللي يشكل أكثر من نصف المشتريين لهذي السلع الفاخرة في الصين ومع زيادة البطالة بينهم مقارنة بالمعدل العام في الدولة صار الإنفاق على البراندات يخف بشكل ملحوظ لكن يمكن أهم سبب هو تغير السلوك الاستهلاكي نفسه عند الصينيين أنفسهم خصوصاً أن فيه توجه كبير بين الشباب الصينيين إنهم يبتعدون عن المظاهر الزايدة والشراء لمجرد الاستعراض صار التركيز أكثر على الراحة النفسية، التجارب، الرحلات، والفعاليات الصحية، بدل من “أشتري عشان أبين إني غني” حتى بعض البلوقرز والمؤثرين في مجال الموضة تغيّروا كانوا يروجون لمنتجات فاخرة واليوم صاروا ينظمون ورش وفعاليات عن الوعي النفسي وأسلوب الحياة البسيط.

فوق هذي الأسباب صار توجه الشباب الصينيين للمنتجات المقلدة الراقية (Dupes) هو البديل وبالفعل ارتفعت مبيعات المنتجات (يعني نفس شكل الأصلية تقريبا بس بسعر أرخص ومن غير شعارات ملفته) الشباب يقولون “ما نحتاج نلبس شعار براند عشان نحس بالفخامة!” وصار جزء من ثقافة التواضع الاستهلاكي اللي جالسه تنتشر الأن بين الجيل الجديد.

الحكومة الصينية أيضاً بدأت تلاحظ الفترة السابقة أن فيه مظاهر ثراء قوية ومبالغ فيها صارت غير مرغوبة عند الحكومة نفسها وعند الشعب من مختلف الطبقات خصوصاً أن الرئيس الصيني شي جين بينغ من فترة وهو يروج لمبدأ “الرخاء المشترك” اللي يركز فيه على تقليل الفوارق الطبقية بين المجتمع وهذا الشيء دفع هذا التوجه كثير من الأثرياء الصينيين أنهم يخفوون استهلاكهم العلني والواضح للبراندات الفاخرة.

طيب وش وضع البراندات الفاخرة نفسها وهي جالسه تخسر؟ اللي صار إن أغلب البراندات الفاخرة غيرت استراتيجيتها بالكامل بدل ما تركز على الشريحة الكبيرة من الناس أو الطبقة المتوسطة اللي تحاول تدلّع نفسها بين فترة وفترة صار التركيز كله على نخبة النخبة وهذا اللي صار مع علامات مثل LVMH، Gucci، وBurberry اللي بدت تركّز على كبار عملائها بس اللي فعلياً يقدرون يصرفون مبالغ ضخمة بدون ما يترددون وصاروا ينظّمون لهم معارض مغلقة وعروض أزياء خاصة وحفلات فاخرة، وكلها بتجارب حصرية عشان يحسسونهم بالتميز ويزيد ارتباطهم بالعلامة ويشترون أكثر لكن حتى مع هالتحول اللي سووه ما قدروا يوقفون الخساير! خلال 2024 خسرت هذي البراندات مئات المليارات من قيمتها السوقية ومنها LVMH اللي سجلت أسوأ أداء سنوي لها من أيام الأزمة المالية العالمية ومع استمرار ركود الاقتصاد الصيني اللي يعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم بدأت البراندات تدور بدائل لها وصارت تتوجه بقوة لأسواق جديدة جالسه تنمو مثل دول الخليج والهند وجنوب شرق آسيا هالمناطق قاعدة تشهد نمو سريع في الطبقة الثرية وفيها شباب جالسين يكونون ثروات وبيصيرون أثرياء وبالتالي هذولي صاروا أهداف وفرصة ذهبية لتعويض التراجع الكبير اللي صار في السوق الصيني.

وبما أننا نتكلم عن مجموعة LVMH فهي معروفة بأنها أكبر مجموعة للسلع الفاخرة في العالم (الأزياء,الساعات,المجوهرات,العطور..) مقرها في باريس ومستحوذة ومالكه على أكبر العلامات المشهورة مثل Louis Vuitton، Dior، Bulgari، Fendi، وSephora، وإيراداتها تجاوزت330 مليار ريال سعودي في 2024 (هذا المبلغ يتجاوز ميزانية دولة: المغرب، تونس، والأردن مجتمعين) وتعمل في أكثر من 70 دولة عبر 5,600 متجر! تملك هذي المجموعة عائلة أرنو، ويترأسها أيضاً برنارد أرنو ويعتبر أغنى رجل في أوروبا وأحد أغنى رجال العالم وماسك الشركة من تأسيسها تقريبًا ويملك في الشركة حصة تقدّر بحوالي 48% من أسهم المجموعة.

صورة التقطت للرئيس التنفيذي لشركة LVMH برنارد أرنو وهو يزور مركز WF Central التجاري في مدينة بكين الصينية.

رحت أشوف سهم LVMH ونتائجهم المالية في صفحتهم على سوق التداول وفعلاً واضح إنخفاض الأرباح في آسيا (باستثناء اليابان) انخفضت بنسبة تقريباً 11% في الربع الأول من 2025، وبشكل عام حجم مبيعات البرندات الفاخرة الشخصية في الصين تقلص بأكثر من 18% خلال 2024 حسب رويترز (المصدر) وقبل فترة تكلم شخص مسؤول من LVMH لبلومبيرغ وقال أنهم مايتوقعون تحسن النتائج في الربع الثاني من 2025 وهذا يدل عدم تحسن المبيعات ومع هذا الإنخفاض في السهم اللي زاد الطين بلة تعريفات ترامب الجمركية على المنتجات الأوروبية اللي بيكون لها تأثير على مبيعات المجموعة في الولايات المتحدة بالإضافة الى أن المستثمرين عندهم خوف حالياً في من اللي راح يرأس المجموعة بعد رحيل برنارد ارنو.

سهم LVMH خلال سنة كاملة منخفضاً ب41% تقريباً حيث وصل الى أعلى سعر 762 يورو وسعره الحالي 445 يورو.

في الختام اللي جالس يصير في الصين الحين ماهو مجرد ركود مؤقت هو تحول هيكلي كامل في ثقافة الإستهلاك والإقتصاد وهو اللي جالس يجبر شركات البراندات الفاخرة مثل LVMH على أنها تعيد التفكير بالكامل في استراتيجياتها! يمكن يكون الحفل انتهى في الصين لكن اللعبة ما أنتهت… فقط انتقلت إلى ساحات جديدة! 🙂

نراكم في مقال أخر